يبدو أن عالم مدينة جوثام، المعروف بأجوائه المظلمة والمليئة بالثراء وجرائم المافيا، لا يزال يلهم صناع الدراما في السينما والتلفزيون، في الأسابيع الماضية، طرحت شبكة “HBO” مسلسلها الجديد “The Penguin” المؤلف من 8 حلقات، والذي يروي قصة صعود أحد رجال العصابات نحو القمة.
لم يمض وقت طويل منذ آخر حكاية سينمائية سلطت الضوء على أحد أشهر أشرار “جوثام”، وهو “الجوكر” من إخراج تود فيليبس، كما ذكرنا، مدينة جوثام مليئة بالأحداث الإجرامية ومظاهر العالم السفلي، مما يزيد من تشويق المشاهدين، ومن المثير للاهتمام أن اسم “جوثام” – الذي أصبح يبدو وكأنه اسم حقيقي لمدينة أمريكية – أوجده مؤلف الرسوم المتحركة بيل فينجر.
مسلسل The Penguin
جميع شخصيات مسلسل “The Penguin”، سواء كانت شريرة أم خيرة، تنبثق من عالم DC Universe وعالم “باتمان”، ظهرت شخصية “البطريق” لأول مرة في فيلم The Batma” من إخراج مات ريفز، تدور أحداث مسلسل “The Penguin” بعد الكارثة الإنسانية التي ألمت بسكان “كراون بوينت”، والاغتيالات التي طالت أبرز شخصيات المافيا، مما يتيح الفرصة لبطل القصة “أوزوالد كوب” (كولين فاريل) للتوسع في عالم الجريمة، بعد أن كان مجرد رجل عصابات بسيط يدير ملهى ليلي ويتاجر في المخدرات.
في عالم “The Penguin” الإجرامي، الذي سنستعرضه معك عزيزي القارئ، لن تكون أسماء الشخصيات غريبة عليك إذا شاهدت فيلم “The Batman”.
ليلة مظلمة عاشتها مدينة جوثام، بعد أن قام “ريدلر” (بول دانو) بتفجير جدار المدينة البحري أثناء انتخابات البلدية، مما أدى إلى إغراق حي الفقراء “كراون بوينت”، وتدمير مبانيه السكنية ومقتل العديد من سكانه، بالإضافة إلى اغتيال أحد أباطرة المافيا “كارمين فالكون” (مارك سترونج)، هذا هو السياق الذي يقدمه فيلم “باتمان”، ويمهد الطريق أمام البطريق “أوزوالد كوب” للصعود إلى القمة بعد موت زعيمه، لكنه يحتاج إلى التلاعب بعائلتي فالكوني وماروني لتحقيق مآربه.
تبدأ القصة بلقاء مشحون بالتوتر والازدراء بين “أوز” و”ألبرتو فالكون”، وريث “كارمين فالكون”، يستفز ألبرتو “أوز” وينعته بالعاهرة الصغيرة، فيرد البطريق بإطلاق النار عليه وقتله، يساعده شاب صغير يدعى “فيكتور أغيلار” (رينزي فيليز) في نقل الجثة، ليصبح لاحقًا يده اليمنى.
نشاهد “أوز” وهو يحاول إعادة بناء الثقة مع “صوفيا فالكون” (كريستين ميليوتي)، العائدة من مستشفى “أركام” للأمراض النفسية بعد اتهامها بقتل مجموعة من النساء، بتدبير من والدها و”أوزوالد”.
أركام هو نفس المكان الذي تواجد فيه “الجوكر” وصديقته لي في “Joker: Folie à Deux”، لكن هنا نرى الوجه القبيح لهذا المكان الذي لا يختلف عن جوثام سوى أن نزلاءه مختلين عقليًا.
من جهة أخرى، يسعى “أوز” لخلق علاقة مصلحة مع “سالفاتور ماروني” (كلانسي براون)، زعيم ثاني أكبر عائلة عصابات في المدينة، يزوره في سجن “بلاغيت” لجس النبض حول إمكانية إبرام اتفاق مشترك، تكشف صوفيا عن قتل أوز لأخيها، وعائلة ماروني تدرك أنه يخادعهم ويريد الاستيلاء على تجارة المخدرات مع صوفيا التي عرفته على منتجها الجديد عقار “بيلس”.
في نهاية المطاف، يجد “أوز” نفسه وحيدًا، يحاول ترتيب أفكاره ومخططاته، في ظل تحالفات جديدة تجمع بين سالفاتور وصوفيا، ويسعى لضم المزيد من العصابات تحت قيادته، محاولًا إشعال ثورة ضد حكم الأقلية في العالم الإجرامي.
شخصيات مغرية
في مسلسل “The Penguin”، يظهر النص كبطل حقيقي، حيث تتجلى قوة الشخصيات وتأثيرها منذ الحلقة الأولى، كل حلقة تكشف عن عمق اهتمام الكتّاب بتفاصيل رسم الشخصيات ودراسة سلوكها، مما يمنح القصة بناءً دراميًا متينًا يجعلك تتوق لمزيد من الحلقات، ولا ضرر في تقديم قصص متشعبة عن القصة الأصلية، نظرًا لأهمية السرد الحكائي والصوري، ورغم أن المسلسل قد يبدو في بعض اللحظات مزدحمًا بالقصص، إلا أنه يجمع بينها بشكل ممتع.
حرب العائلات دائمًا ما تكون مغرية للمشاهدة، خاصة عندما تكون إجرامية بحتة؛ حيث تكون كل الأساليب القذرة مباحة. يستعرض المسلسل نوعين من العصابات: الأولى هي عائلات المافيا الحاكمة والتي تمثل الأقلية، والثانية هي العصابات التي تعتبر نفسها الحامية للطبقة الدنيا من سكان المدينة والتي تسعى لتحقيق العدالة التي لا يوفرها سوى الأقوياء من هذه الفئة.
هذه الفكرة قد تدفعك للتعاطف قليلًا مع الأطراف الأقل بطشًا، لتبرير بعض الأفعال، ما تقدمه دراما العصابات هو أنك، كمشاهد، قد تزيح عن مبادئك في الحياة العادية لتناصر طرفًا على حساب آخر، لأنك تراه الطرف الأضعف الذي اضطر لفعل ما يفعله للخروج من تحت الركام.
نلاحظ فكرة الرعاية في علاقة “أوز” مع “فيكتور”، الفتى الذي فقد أهله في تفجير “ريدلر”، يذكر “أوز” بطفولته ومراهقته، حيث تم التقليل من شأنهم، لكن “فيكتور” لا يزال طريًا، ويعيش الآن صراعًا بين حياته البريئة ومغريات الحياة الإجرامية.
إذا لم تشاهد فيلم “The Batman”، أو لم تلقي نظرة على قائمة أبطال “البطريق”، قد تجد صعوبة في التعرف على الممثل “كولين فاريل” في دور “أوز كوب”، الذي يتقمص الشخصية بإتقان، من مشيته المتعرجة، إلى أطرافه الصناعية، وأسنان الذهبية، يظهر “أوز” كشخصية غير ساحرة على صعيد الشكل، لكنه يتميز بغرائزه الطامحة للفوز والتفوق، وتفكيره المتقد القادر على رؤية الأمور من منظور واسع، مما يساعده على إيجاد الحلول والتفوق على عائلتي “فالكون” و”ماروني”.
يمكن تصنيف مسلسل “The Penguin” على أنه دراما نفسية، إلى جانب دراما الجريمة والعصابات، لأنه يتغلغل في نفسيات أبطاله.
إلى جانب “أوز” الذي يسعى للانتصار على ماضيه ومن أساء إليه، نجد “صوفيا فالكون” التي تتحول تدريجياً إلى “جيغانتي”، الخصم الحقيقي لـ”أوز” بعد قتله لأخيها وسرقة مخدرها، بعد دخولها مستشفى “أركام”، تتحول “صوفيا” إلى وحش حقيقي، مما يزيد من تعقيد علاقاتها، خاصة مع سائقها القديم.
“كريستين ميلوتي” تقدم أداءً لافتًا في دور “صوفيا”، وهي شخصية مغرية بتعقيداتها النفسية وظروف حياتها، هروبها من ماضيها يعزز جموحها نحو شخصيتها الجديدة، لكنها تحتفظ ببعض لمحات “صوفيا” القديمة.
أما “أوز”، رغم دماء التي سالت في طريقه، يظن أنه يملك مبادئ لا يحيد عنها؛ إلا أن الحقيقة تُظهر أنه قادر على التلاعب بكل من حوله لتحقيق مآربه.
بدون “بروس واين” لحماية المدينة من أمثال “صوفيا”، “أوز”، و”سالفاتور”، يجد “فيكتور” نفسه بلا إرشاد نحو الخير، بينما يتصارع الجميع على النفوذ والقوة، تستمر “جوثام” في غرقها في الفوضى والجريمة.